تقديم المحاضرة
هذه المحاضرة ألقاها النائب اللبناني الجنوبي السابق المحامي الشيعي السيد عبدالله غوتيمي، في المركز الثقافي للبنان الجنوبي (بيروت) في 21\03\1985.
معرفتي العميقة بشخصية الكاهن الكاثوليكي بطرس تسمح لي بأن أوجز المحاضرة بكلمتين:
إنه مؤمن ثائر. يؤمن بالله وبرسالة الأنبياء على خط الأولين. يؤمن بالجوهر الذي يوحّد كل الديانات السماوية. يؤمن بالحرف عندما يتوافق (الحرف) مع الروح، ويتعلّق بالروح عندما لا يتطابق الحرف مع الروح في كتب الوحي. مؤمن ثائر على ثراء المظاهر الكهنوتية وارستقراطيتها، لأنها لا تنسجم مع بساطة وتواضع يسوع المسيح. لقد رأى محاضرنا التناقض العجيب والسخيف عندما يكون الخادم أو التلميذ يعيش حياة بذخ يدينها سيّده. هذا الخادم الذي يسمح لنفسه بارتداء أفخم الحلي والمجوهرات وأثمنها في أوقات خدمته عند سيّده. ماذا نقول عندما يكون هذا السيد يسوع ابن مريم الذي قال: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالكم وأنا أريحكم. إحملوا نيري وتعلّموا منّي تجدوا الراحة لنفوسكم، فأنا وديع متواضع القلب، ونيري هيّن وحملي خفيف”. كان يسوع مرشداً للأغنياء الذين أرادوا أن يتبعوه إذ قال لأحدهم: “إذهب بِع كل ما تملك ووزّع ثمنه على الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال واتبعني”.
ثائر هو، محاضرنا لهذه الليلة، على المفاهيم الخاطئة التي يعلّمها بعض الذين يزعمون أنهم صوت الله بين المؤمنين، ثائر على الممارسات المنحرفة والخادعة لزمرة من رجال الدين التي يدين الله الرحمَن الرحيم أهدافها، حتى عندما يتعلّق الأمر برأس الكنيسة في الفاتيكان…
إنه مؤمن شجاع لا يخاف الكلام.
لقد ترك شجاعته تتفجر في بداية تأجج الحرب الطائفية الدامية والملعونة، التي تمزّق وطننا منذ سنوات والتي تحاول منع الصالحين من أن ينتفضوا، فارضاً عليهم صمتاً كئيباً. لكن هذه الحرب دفعت من يزعمون أنهم الصالحون الوحيدون إلى أحضان الشيطان. في ذلك الوقت، ومنذ البدء، كان وحده من بين الكهنة، وحده الكاهن بطرس هو الذي انتفض، ولا زال، ليصرخ “لا” في وجه رجال الدين المزيفين.
وعندما ناداه المعلّم الإلهي إلى المعركة الفعلية، هجر عيادته ليلتحق بصفوف أخوتنا وأبنائنا الأشراف: المقاتلون في وجه إسرائيل وعملائها في هذا البلد …
المقال الأول الذي كتبه بطرس كان في 20 نوفمبر 1975 دان فيه أعضاء الإكليروس الذين لا يستحقون شرف حمل الصليب. نُشر هذا المقال في جريدة “المحرر” تحت عنوان: “رسالة مفتوحة إلى كمال جنبلاط” وعنوان ثانوي: هيّا، تعالوا إلى الصليب الحقيقي”.
إسمحوا لي هنا أن أقطع حبل أفكاري لأشير إلى بعض المصادفات الملفتة للانتباه:
- تتزامن هذه المحاضرة – التي، بحسب علمي، هي الأولى من نوعها في لبنان – مع ذكرى استشهاد كمال جنبلاط، الشهيد الكبير على درب الجلجلة اللبناني في هذه الفترة من سنة 1977، والذي إليه وجّه بطرس رسالته الأولى
- تتزامن هذه المحاضرة مع أولى أيام الربيع، موسم تفتّح براعم ثورتنا الروحية الوطنية ضد الاجتياح الإسرائيلي، دلالة على رؤية انتشار عطر ثورتنا المنعش لتشمل بلداناً وأوطان …
- تتزامن هذه المحاضرة مع شهر ذكرى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وهروب إسرائيل الكارثي من جنوب وطننا لبنان تحت وطأة ضربات شعبنا الثائر والمنتصر القاسية في 1985.
- تتزامن هذه المحاضرة، في النهاية، مع واقع سياسي جديد على الساحة اللبنانية، وهي ثورة جبهة سمير جعجع اللبنانية المزيفة التي ترمي إلى تحقيق المخطط الصهيوني، بعلم أو بغير علم أبطالها. لا يمكننا إلاّ أن نستنتج – أردنا ذلك أو لا- أن هذه المحاضرة هي بمثابة إشعار رسمي لمؤيدي الصهيونية في هذا البلد.
أستعيد حبل أفكاري لأتكلم عن المقالات التي كتبها محاضرنا. تتابعة هذه المقالات في جريدة “المحرر”؛ المقالات الرئيسية كانت تحت عنوان:
- “المارونية إيمان، وليست عرقاً” في 25 ديسمبر 1975
- “من هم أنبياء اليوم؟” ظهر في 12 يناير 1976
- “أيها التقدميون، تقدّموا”، مع عنوان ثانوي “النصر يفرض الاتحاد”، ظهر في 19 يناير 1976
- “الوحش هو إسرائيل” ظهر في 21 فبراير 1976
المقال الأخير الذي كتبه محاضرنا كان رسالة مفتوحة إلى البابا يوحنا بولس الثاني، يدين فيها استقبال الفاتيكان لشيمون بيريز مناقضاً بذلك روح الإنجيل. نشرت هذه الرسالة في جريدة “السفير” في 26 فبراير 1985.
كتب بطرس العديد من المؤلفات لتفسير الإيمان الحقيقي وإدانة التضليل، لتعرية إسرائيل وحليفتها “البيت الأسود”، لا “الأبيض” في واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة، التي ليست في الواقع سوى مستعمرة إسرائيلية، كما برهن بول فيندلي عضو الكونغرس الأميريكي في كتابه “من يجرؤ على الكلام”. وعلى الرغم من ذلك، لا زال حكّام الولايات المتحدة يزعمون، بغطرستهم الفاضحة، أنهم قادة ما يسمّى العالم الحر. وما هي في الواقع إلاّ حريّة محزنة، هي تلك التي يقودها خادم مسكين للصهيونية.
لقد توصّل محاضرنا، بعد عمل دؤوب، إلى إيصال رسالته إلى قلب اللوبي الصهيوني، وإلى خلق مجموعات عالمية في بعض البلدان، لإدانة الصهيونية والقضاء عليها من خلال التوراة والإنجيل، ميقظاً، بذلك، الوعي الغربي، هذا الوعي الذي طالما تعرّض لغسل دماغ من قبل الصهيونية العالمية التي ترتكز على بعض نصوص الكتاب المقدس. هذه النصوص التي لم تكن بوحي من الله، كما سيبيّنه محاضرنا اليوم.
نظراً لإخفاء إسرائيل لأطماعها الإقليمية على أرضنا بأقنعة دينية وكتابية، وألف قناع سياسي كالإجراءات الأمنية وغيرها، ونظراً لأن تحقق الأحلام الإسرائيلية على أرض جنوب لبنان يشكّل خطوة حاسمة على طريق توطيد دولة إسرائيل التوراتية، قرّرنا محاربة إسرائيل بسلاحها التوراتي، من دون التضحية بالوسائل الأخرى، حتى يكون الكتاب المقدس نفسه الحكم بيننا وبين إسرائيل.
بهذه الطريقة، نبرهن أننا فهمنا جيداً معنى الحرب الصهيونية ضدنا، وأننا قد أصبحنا مدركين تماماً لجوهر الصهيونية والكيان الإسرائيلي.
فيكون بإمكاننا عندئذٍ أن نحارب إسرائيل أقوياء ومسلحين بالحجة الروحية في نفس الوقت، وأن نحرر ليس فقط أنفسنا، بل أن نحرر معنا البشرية جمعاء من شر هذه العنصرية الصهيونية الشريرة والمدمرة.
من هنا ينبثق عنوان هذه المحاضرة: “التوراة (الكتاب المقدس) تنقض إسرائيل”.
إليك يا بطرس لتعلن لنا البشارة.
المقدمة
السلام عليكم يا إخوتي، بسم الله الرحمَن الرحيم. السلام عليكم بسم الأنبياء الشهداء في الماضي الذين قالوا “لا” لإسرائيل، فقتلهم اليهود كما قتلوا ولا زالوا يقتلون أبناءنا وبناتنا، شهداء جنوب لبنان، لأنهم قالوا ولا زالوا يقولون “لا” لإسرائيل.
أحييكم باسم الكلمة النبوية الثائرة والمتحررة من جنوب لبنان: “لا” لإسرائيل. لأن نبوءة الله وكلمته اليوم هي “لا لإسرائيل”، هذه الكلمة التي جعلت من جنوب لبنان مقدس عصرنا، قدسه الشريف، ومكّته المكرمة، بعد أن تعمّد بالدماء اللبنانية، في صيدا، معركة، الزرارية، راشيا، البقاع الغربي وباقي المدن والقرى التي تقاوم المحتل الإسرائيلي الدموي. هذا المحتل الذي ذبح في جنوبنا المبارك نساءنا وأولادنا ورجالنا الذين تجرأوا أن يقولوا “لا” لإسرائيل بسم الله تعالى.
اليوم، 21 مارس، إنه عيد الأمهات ومناسبة جيدة لتكريم أمّين قدّمتا شهيدين على مذبح الحق، أتكلّم عن العذراء مريم وفاطمة الزهراء (فاطمة بنت النبي محمد) اللتان قدمتا يسوع والحسين. السلام عليكما يا مريم وفاطمة، أمّا المؤمنين، والمؤمنين الشهداء بوجه خاص.
إسمجوا لي أن أعبّر عن فخري وعزائي بأن أكون موجوداً اليوم في هذه القاعة المباركة، قاعة جنوب لبنان. لأن جنوب لبنان العزيز رفع رأسي وعزز افتخاري بكوني لبنانياً وبشهادتي ضد إسرائيل. لقد قلت عن عزائي بأن أكون في هذه القاعة لجنوب لبنان، وهذه الكلمة قد أوحاها لي شفيعي المبارك، الشيخ الشهيد راغب حرب. لقد سمعته يقولها لي على التلفاز بمناسبة ذكرى استشهاده الأولى. لقد قال، منذ سنة، قبيل استشهاده، ما معناه: “في جنوب لبنان لا يوجد مكان للذين لا يريدون مقاومة المحتل الإسرائيلي حتّى الاستشهاد. لأنه من هذا الجنوب، يراق دمنا، لكنه يراق ليتحوّل إلى بلسم يشفي كثيراً من الجراح ويعزّي كثيراً من القلوب”. في هذه اللحظة بالذات، شعرت فعلاً بالعزاء يغمر قلبي، وهذه الكلمة ذكّرتني بنبوءة النبي أشعيا في الفصل 53 من كتابه، حوالي سنة 750 قبل استشهاد المسيح، والتي يتوجّه فيها إلى اليهود الذين كانوا -ولا يزالون حتى اليوم- ينتظرون مسيحاً عسكرياً سفّاحاً على صورة أرييل شارون، إذ قال لهم إن المسيح المنتظر سيكون وديعاً متواضع القلب وإن اليهود سينكرونه وينبذونه، ويذوق على أيديهم العذاب والموت، لكننا بجراحه نخلص.
ونحن، بجراح ودماء وشهادة راغب حرب وأمثاله، نرفع رؤؤسنا ونخلص، في حين أن العدو الإسرائيلي ذاهب إلى هلاكه. لقد استشهد راغب حرب عن عمر 33 سنة، تماماً مثل المسيح. هناك رمزية لمن يريد أن يفهم. لقد فهمت أن الدم الذي يراق اليوم في جنوب لبنان، مثل الدم الذي أريق في الأمس في فلسطين، في دير ياسين وفي أماكن أخرى، هو نفسه الذي أريق على درب الجلجلة في القدس حيث صُلب المسيح، وفي كربلاء حيث قُتل الحسين. ومن بعدما دُعيت لإلقاء هذه المحاضرة في قاعة تمثل جنوب لبنان، شعرت أن راغب حرب هو من يدعوني إلى بيته باسم جميع الشهداء وباسم يسوع والحسين. فقبلت الدعوة من كل قلبي.
موضوع هذه المحاضرة هو “الكتاب المقدس ينقض (يرفض) دولة إسرائيل”، كنت أبحث عن عنوان يوجّه تفكير المستمعين: “الكتاب المقدس ينقض مطامع إسرائيل” إلخ. لكنني رأيت أن العنوان الأكثر دقّة هو “الكتاب المقدس ينقض دولة إسرائيل” لأنه يجسّد نيّتي الحقيقية. فالكتاب المقدس ينقض إسرائيل كدولة سياسية أيّاً كانت أو مهما كانت هذه الدولة، بغض النظر عن أطماعها، سواء كانت لديها أطماع أو لا.
قبل التطرق للموضوع، أعتقد أنه من المفيد أن أفسّر معنى كلمة “صهيونية” مقارنة مع الـ “يهودية”. اليهودية هي ديانة وإيمان توحيدي بوحي من الله. أمّا الصهيونية فهي تعفّن اليهودية وانحرافها نحو العنصرية والمادية الدنيوية.
كلمة صهيونية منسوبة لـ “صهيون”، أحد الجبال الخمسة التي شيّدت عليها القدس القديمة. الجبل الثاني المهم بالنسبة لليهود هو جبل موريا الذي بنى عليه الملك سليمان المعبد الأول في الموقع الذي يُعتقد أن ابراهيم أراد تقدمة ابنه ذبيحة لله. على هذا الموقع شُيّد مسجد عمر بن الخطاب الذي يُطلق عليه اسم مسجد الصخرة والذي يريد الصهاينة هدمه لبناء معبدهم مكانه.
بنى الملك سليمان قصره الملكي على جبل صهيون. ثم تدريجياً، تحوّل اهتمام اليهود من جبل موريا، حيث بُني المعبد، ليتركّز على جبل صهيون، حيث القصر الملكي. هذا القصر الذي بُني على جبل صهيون أصبح رمزاً لوجودهم إلى درجة أنهم أطلقوا على أنفسهم اسم “الصهاينة”، نسبة إلى كيان سياسي، مملكة دنيوية وأرضية لا ترضي الله وأنبيائه، كما سنرى، بدل أن يختاروا، على سبيل المثال، لقب “الموريين”، نسبة لجبل موريا الذي بني عليه المعبد، كيان يجسّد الرسالة الروحية، لا الزمنية، للديانة اليهودية. بالتالي، بالاسم الذي اختاروه لأنفسهم، برهن الصهاينة أنهم سيّسوا الروحانية وخانوا العهد الإلهي.
هدف الصهيونية اليوم هو حشد يهود العالم أجمع في فلسطين حول ملك إسرائيل الذي سيكون المسيح الصهيوني الذي ينتظره اليهود بفارغ الصبر لإعادة إقامة المملكة الصهيونية في إسرائيل. بحسب اليهود، سلالة هذه المملكة ستبقى إلى آخر الزمان وستمنح اليهود هيمنة سياسية، إقتصادية وعسكرية تامة على العالم. في حين أن هدف الديانة اليهودية مختلف ومتواضع، ويهدف إلى حشد جميع البشر في عائلة روحية واحدة، كما فسّره لنا يسوع.
لقد رفض الأنبياء، ويسوع من بعدهم، منح موافقتهم على المخطط الصهيوني، كما أدانوا هذا المخطط الشيطاني بشجاعة؛ لذلك قتل اليهود الأنبياء ورفضوا الإيمان أن يسوع – الذي عارض الصهيونية حتى الصليب – هو المسيح الذي بشّر به الأنبياء. اليهود اليوم لا زالوا يرفضون الإيمان بيسوع لنفس الأسباب الذي رفض أسلافهم من أجلها الإيمان به.
تنقسم هذه المحاضرة إلى ثلاثة أجزاء:
- النصوص الكتابية التي تحدد حدود إسرائيل. سأبرهن أن هذه النصوص، التي أدانها الأنبياء أنفسهم، قد تمّ إقحامها على نحو خاطئ في الكتاب المقدس من قبل الكتبة لتبرير روح الصهاينة التوسعية
- رفض الله والأنبياء إقامة دولة سياسية في إسرائيل
- العلاقة بين إسرائيل، المسيح الدجال و “جوج وماجوج”
سأختم المحاضرة بكشف ما يقوله الكتاب المقدس عن لبنان، وعن دوره في مشروع الله الخلاصي.
النصوص الصهيونية التي أقحمها الكتبة في الكتاب المقدس
بعد هذه المقدمة أقدم لكم محاضرتي “الكتاب المقدس ينقض إسرائيل”. سأبرهن أن كتب العهد القديم في الكتاب المقدس تدين دولة إسرائيل وتنقض الحجج الكتابية التي قدّمها الصهاينة لمصلحة إسرائيل.
أحداث غير عادية، حروب وثورات، تجري في العالم وخاصة في الشرق الأوسط منذ ظهور دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الدولة قد جسّدت شهوات اليهود المكبوتة منذ أكثر من عشرين قرن. ونحن اللبنانيون، من بعد أخوتنا الفلسطينيين، عشنا ولا زلنا نعيش هذه الأحداث بأجسادنا وضمائرنا، على مستوى لم يسبق له مثيل.
مع ظهور دولة إسرائيل، يعيش العالم أجمع بمحنة، بأزمة ضمير تسبر إيمان البشر من دون علمهم. الإنسان، بقصد أو بغير قصد، يمر بفحص ضمير هو بمثابة حكم. هذه المحنة الصهيونية التي انقضّت على العالم أجمع هي المحنة العالمية الذي تكلّم عنها يسوع في الإنجيل والتي أشار إليها كتاب الرؤبا في الفصل 3، 10. تحصل هذه المحنة العالمية لسبر النوايا الحقيقية والإيمان الصادق لكل إنسان في نهاية الأزمنة هذه، قبل عودة يسوع النهائية قاضٍ على العالم.
العالم أجمع يرزح تحت وطأة الأزمات المتتالية ولبنان يئنّ تحت وطأة صليب يثقل كاهله بسبب العنصرية الصهيونية التي خلقتها في فلسطين دولة تدعى إسرائيل. إسرائيل، التي تنكر روح المسيح يسوع، والتي يصفها بولس بعدو الله والأنبياء والبشر في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي (تسالونيكي الأولى 2، 14-16)، صبّت جام حقدها خفيةً على العالم أجمع، على جميع البشر، وخاصة على الشعب اللبناني حيث اقترفت جرائمها على العلن. بعد أن سرقوا فلسطين، حاول الصهاينة الاستيلاء على لبنان. لقد نهب الإسرائيلي وجرّد الأبرياء من ممتلكاتهم ونفاهم إلى مخيمات الاعتقال، حتّى هنا في لبنان. هناك شعبان قد عانيا بشكل خاص من ظلم الإسرائيليين: الشعب الفسلطيني ومن بعده الشعب اللبناني، وذلك بدعم ومباركة العالم الغربي المسمّى بالعالم المسيحي والحر، والذي سلّح دولة إسرائيل وجعلها قوية ضدّنا. السبب الرئيسي للدعم الغربي لإسرائيل هو الكتاب المقدس، وليس المحرقة الهتلرية، لأن الصهاينة نالوا حظوة عند البلدان الأوروبية وفي مقدمتها إنكلترا، وذلك منذ بداية القرن العشرين، قبل ما يسمّى بالهولوكوست. بعض هذه البلدان لا يزال مبنّجاً بالمادية وغارقاً في اللامبالاة كما في مثل العذارى الجاهلات، رافضاً استخدام سلاح الكتاب المقدس الفتّاك ضد إسرائيل في حين أنه يستخدمه ضدنا، خصوصاً وأن هذا الكتاب نفسه يبررنا ويدين دولة إسرائيل، كما سنرى في مستهل محاضرتنا.
لقد لعب الصهاينة على جميع الأوتار الحساسة لاستغلال الأوروبيين والأميركيين. من خلال الماسونية اليهودية، خاصة منظمة بناي بريث اليهودية -التي تعني أبناء العهد- توصّل الصهاينة إلى التغلغل في المحافل الماسونية في أوروبا والولايات المتحدة ونجحوا باستمالة آذان وقلوب مسيحيي الغرب بواسطة حجتين قويتين: الكتاب المقدس والمحرقة الهتلرية.
صوّر اليهود أنفسهم أمام مسيحيي الغرب خرافاً ذبيحة على أيدي النازية فنالوا بذلك عطف القوى الأوروبية والأميركية ودعمها في مواجهة العرب، في حين ان العرب هم بريئين من جرائم النازيين. الحركة الصهيونية العالمية ضلّلت بصورة رئيسية الضمير المسيحي الغربي – المؤمن بالكتاب المقدس- من خلال الكتاب المقدس نفسه.
عملت الصهيونية العالمية منذ قرون لتوطين يهود العالم في فلسطين. لهذه الغاية توسّل الحكام اليهود مساعدة قيصر روسيا، بابوات الفاتيكان، والسلاطين العثمانيين، لكن مساعيهم باءت بالفشل. في النهاية، في بداية القرن العشرين، بذلوا قصارى جهدهم لنيل دعم الامبراطورية البريطانية وكان الكتاب المقدس الأداة التي مكّنتهم من إقناع الحكام الإنكليز.
العلامة الأولى على نجاح الجهود الصهيونية أتت مثارها على الساحة السياسية مع اتفاقية سايكس-بيكو سنة 1916 التي بموجبها قررت كل من إنكلترا وفرنسا تقاسم الشرق الأوسط فيما بينهما في نهاية الحرب العالمية الأولى. من خلال هذه الاتفاقية، حصلت فرنسا على حق الانتداب على سوريا ولبنان، وإنكلترا على مصر، العراق، وفلسطين من أجل المساعدة في جمع اليهود في فلسطين.
العلامة الثانية للدعم الكتابي الذي منحه الغرب لليهود ظهر في سنة 1917 مع وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا. بموجب هذا الوعد، التزمت إنكلترا رسمياً بمساعدة اليهود على الهجرة إلى فلسطين بهدف بناء وطن يهودي. تجدر الإشارة هنا إلى أن اليهود حصلوا على هذه النتائج الملموسة قبل المحرقة الهتلرية بـ 25 سنة وذلك باعتمادهم فقط على نصوص الكتاب المقدس.
تابع اليهود ولا زالوا يتابعون مخططهم لكسب عطف مسيحيي الغرب من خلال النصوص الكتابية. الذين قرأوا كتاب بول فيندلي، عضو الكونغرس الأميركي، الذي تمّ نشره على مراحل في جريدة “السفير” هنا في لبنان، والذي حمل عنوان “من يجرؤ على الكلام”، لن يواجهوا أية صعوبة بتصديق ما أقوله. في كتابه، يدين بول فيندلي الحركات الصهيونية في بلاده وخاصة اللوبي الصهيوني، وقد تعرّض هو شخصياً للهجوم من قبل الصهاينة لأنه لم يرضخ لهم. فيقول في كتابه من بين جملة أمور أخرى:
“كثير من الأميركيين، محافظين وغيرهم، يدعمون إسرائيل بذريعة القيم الثقافية والسياسية المشتركة، وكرد فعل على المحرقة اليهودية. كثير من المحافظين يؤمنون أن إقامة دولة إسرائيل في 1948 كانت إتماماً لنبوءات الكتاب المقدس وأن إسرائيل ستبقى تلعب دوراً مركزياً في المخطط الإلهي”.
“هناك كثير من المسيحيين الذين يرون في دعم إسرائيل دوراً مهماً جداً في تفسير التعاليم المسيحية. ويؤمنون أن إسرائيل تستحق الدعم المسيحي لأن وجودها هو إتمام لنبوءات الكتاب المقدس، ويكثرون من مراجعهم من نصوص العهد القديم من الكتاب المقدس لدعم حجتهم من جهة. ومن جهة أخرى، هناك كثير من المسيحيين الذين يدعمون إسرائيل لأنهم يؤمنون أن اليهود ما زالوا دائماً كما كانوا في زمن الكتاب المقدس، شعب الله المختار”.
كذلك تجرّأ على الكلام أحد النواب الأميركيين الذي تعرّض لاضطهاد منظّم ومدبّر على أيدي اليهود واللوبي الصهيوني في بلاده، فقط لأنه كان شاهداً على المكر الصهيوني ولأنه لم يسمح لهم أن يخدعوه بحججهم المضللة على جميع الأصعدة، حتى التي تتعلق بالكتاب المقدس.
الذين فهموا روح الكتاب المقدس وواكبوا طرق الصهيونية العالمية لاكتساب عطف العالم الغربي من خلال الكتاب المقدس، اقتنعوا أن عليهم كشف موقف الكتاب من دولة إسرائيل. فالكتاب يفيض بالنصوص التي تدين إقامة دولة سياسية يهودية. مع ذلك نلاحظ أن كثيراً من زعماء الدين والسياسيين المسيحيين استسلموا للتضليل من خلال دعمهم للمزاعم الإسرائيلية الخدّاعة وجعلوا أنفسهم يصدّقون التفسيرات الكتابية الخاطئة التي يلجأ إليها بعض اليهود اليوم.
يتمتّع الكتاب المقدس بتأثير كبير على الوعي المسيحي واليهود يعلمون ذلك جيداً، تماماً مثلما يملك القرآن تأثيراً كبيراً على الوعي المسلم. لذلك عندما زار رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بغين رئيس الولايات المتحدة الأسبق جيمي كارتر، حضر، بحسب الإذاعة الإسرائيلية، حاملاً معه خارطة كتابية لفلسطين لإقناع كارتر بواجبه الأخلاقي بدعم دولة إسرائيل. جيمي كارتر، المعروف بتعلّقه بالكتاب المقدس، أعلن عندئذٍ أنه من خلال دعمه لإسرائيل فهو يدافع عن قضية الله. بهذه الطريقة، من خلال الكتاب المقدس، توصّل الإسرائيليون إلى إقناع عدد كبير من المسيحيين أن وقوفهم ضد إسرائيل هو خطيئة. وهذا عكس ما نقوله هنا.
هكذا عمل القادة الصهاينة ولا زالوا مع العلم الغربي، لاعبين على كل الأوتار الحساسة ومستغلين حتى الكتاب المقدس، للسطو على الرأي العام الغربي واكتساب الدعم العاطفي، الأخلاقي، الاقتصادي، وفي النهاية الدعم العسكري للبلدان المسمات مسيحية.
بعض الأساقفة في فرنسا والولايات المتحدة نشروا أيضاً بيانات لصالح إسرائيل مشجعين رعاياهم على مساندة هذه الدولة، حتى أن بعضهم جعل من هذا الدعم واجباً أخلاقياً. وانتشرت هذه الخدعة حتى وصلت إلينا في المشرق حيث رأينا مسيحيين يدافعون عن إسرائيل على حساب وطنهم، وزعماء دينيين مسيحيين يمدّون يد العون لإسرائيل أو يطلبون مساعدتها ضد مواطنيهم.
كثير من الناس في المشرق يبتعدون عن الكتاب المقدس معتقدين أنه يدعم بصورة غير عادلة هذه الدولة الجائرة ويبرر جرائمها العديدة. فيتمرّدون على الكتاب بدلاً من إدانة الصهاينة الذي يسيئون استخدامه.
المشرقيون الذين لا يؤمنون بشرعية إسرائيل، يشعرون بنوع من السخط نحو الكتاب المقدس ويميلون للاعتقاد أنه تمّ تزييفه قائلين إن الله لا يوحي بنصوص غير عادلة. فيصرفون النظر إذاً عن اللجوء للكتاب المقدس للتنديد بإسرائيل ويقعون في الفخ الذي نصبه لهم الصهاينة لإبعادهم عن الكتاب حتى لا يكتشفون فيه ما يدينهم.
الاعتقاد أن الكتاب المقدس مزيّف يقدّم خدمة مزدوجة لإسرائيل لأنه، من جهة أولى، يزيد نفور مسيحيي الغرب إزاء المشرقيين الذين ينكرون إسرائيل ويرفضون الكتاب المقدس، ومن جهة ثانية، فإن هؤلاء الذين يحاربون إسرائيل بابتعادهم عن الكتاب، يهملون هذا السلاح الكتابي الفعّال الذي يؤكّد على حقّهم في مواجهة المغتصب الإسرائيلي.
بالتالي نتبيّن أن الصهاينة يعملون من جهة على دعم أصدقائهم المسيحيين بنصوص كتابية تناسبهم، ومن جهة أخرى، على إبعاد أعدائهم عن الكتاب خوفاً من أن يكتشفوا فيه ما يدينهم.
في هذا النطاق علينا أن نبقى موضوعيين وأن نتحلّى بكثير من الحكمة كي لا يجرفنا حماس خبيث ومتململ. ما يمكن أن يؤدي بنا إلى استنتاجات متسرعة وسطحية كالاعتقاد بتزييف الكتاب أو أيضاً إلى الانجراف في مشاعر عنصرية، وهذان خطران يجب تجنبهما بأي ثمن. للذلك، علينا اكتساب قدرة كبيرة على التركيز العقلي الذي كان يتمتع به الشيخين العالمين الراحلين الأفغاني ومحمد عبدو اللذان لم يتوقفا عن التصديق على أصالة النصوص الكتابية في كتب العهد القديم والعهد الجديد التي بين أيدينا اليوم.
من جهة أخرى، إن اكتشافات الحفريات الأثرية، خاصة مخطوطات قمران، بالقرب من البحر الميت، التي تم اكتشافها سنة 1947، والتي تعود إلى 200 سنة ق.م، تثبت أصالة النص الكتابي الحالي. وهذا هو النص الذي عرفه يسوع والنبي محمد والذي أتى عليه القرآن مصدّقاً في أكثر من آية، كالآية التالية: [ الذين اتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولائك يؤمنون به ومن يكفر به فأولائك هم الخاسرون ] (البقرة 121). أمّا فيما يخصّني، فأنا أؤمن بالكتاب المقدس، وبنصّه الحالي، حتّى لا أُحسب من بين الخاسرين.
بعضهم، بعدما سمعوا أن الكتاب المقدس يدعم إسرائيل، تساءلوا كيف يمكنهم التوفيق بين إيمانهم بالكتاب ورفضهم لإسرائيل. الإجابة سهلة: صحيح أن الكتاب يذكر حدود إسرائيل الجغرافية، لكنه أيضاً يدين الذين يعملون لإقامة هذا الكيان السياسي الذي لا يرضي الله.
أؤمن بالكتاب، بأنه بوحي من الله. وإن كنت أؤمن أن الكتاب يمنح يهود اليوم دولة سياسية تمتد جغرافياً من النيل إلى الفرات عبر كل لبنان، لكنت أوّل من انضم للنضال في صفوف الإسرائيليي وعملائهم لإقامة دولة إسرائيل، حتى على حساب وطني الحبيب، لبنان، الذي كنت ضحيت به من كل قلبي إرضاءاً للخالق وإثباتاً لحبّي وتعلقي بمشيئته الوحيدة. لكن الكتاب يطلب مني عكس ذلك تماماً، إنه يطلب منّي أن أدين الأطماع الإسرائيلية ويفرض علي محاربة إسرائيل حتى الاستشهاد، كما يفعل أبناؤنا وبناتنا، أخوتنا وأخواتنا الشرفاء في جنوب لبنان، هؤلاء الشهداء المختارون من الله الذين، بعيداً عن كونهم أمواتاً، هم أحياء عند ربّهم يرزقون، كما يقول القرآن الكريم. لذلك، على عكس كل الذين يتبعون التيار المؤيد لإسرائيل بصورة عمياء كطغمة من البلهاء، خوفاً من أن يُتهموا بالعنصرية وبمعادات السامية، سأثور وأصرخ، كما صرخ من قبل النبي ميخا قائلاً: “وأنا ممتلئ يروح الرب قوّة واقتدارا، فأحدّث بمعصية يعقوب، بخطيئة بيت إسرائيل” (ميخا 3، 8).
سأتناول الآن النصوص الكتابية الأكثر أهمية التي يستخدمها الصهاينة للإشارة إلى حدود إسرائيل. ثم سأبرهن أن هذه النصوص قد تم إقحامها في الكتاب المقدس من قبل الكتبة اليهود. أكرر: هذه النصوص قد تم إقحامها في الكتاب المقدس من قبل الكتبة اليهود، مدفوعين من رؤساء الدين والسياسيين الصهاينة. بعد ذلك سأفسّر كيف يدين الله في الكتاب المقدس نفسه، على لسان أنبيائه، ما أولجه الكتبة لتبرير الأطماع الإسرائيلية باسم الله.
الكتاب المقدس في الفصل15، 18 من كتاب التكوين يصف العهد بين الله وابراهيم بهذه العبارات:
“في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام عهداً، قال: لنسلك أهب هذه الأرض، من مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات”.
أن يدعو الله ابراهيم ونسله أن يسكنوا بين النيل والفرات لا يعني بتاتاً أن هذه الأرض هي ملك لإسرائيل ككيان سياسي في القرن العشرين. من جهة أخرى، هذا لا يعني أن نسل ابراهيم هم اليهود وحدهم، وخاصة اليهود الصهاينة في يومنا، لأن العرب هم أيضاً من نسل ابراهيم. يكشف القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية أن كل الذين يؤمنون أن يسوع هو المسيح هم أبناء ابراهيم (غلاطية 3، 29). تجدر الإشارة هنا إلى أن الإسرائيليين لا يؤمنون أن يسوع هو المسيح. كيف إذاً، بحسب القديس بولس، يمكن للإسرائيليين أن يكونوا من نسل ابراهيم؟ وهل يجب الاعتقاد أيضاً أنه على كل تلامذة يسوع، لأنهم من نسل ابراهيم، أن يتجمّعوا بين النيل والفرات، وأن كل الغير مؤمنين عليهم أن يعيشوا خارج هذه الحدود؟ طبعاً لا.
السبب الذي من أجله دعا الله ابراهيم ونسله للاستقرار بين هذين النهرين هو التالي: لقد أصبح هؤلاء رحّالة تائهين من مكان لآخر، بعد أن طلب الله من ابراهيم أن يترك سوريا، وطنه. دعا الله ابراهيم أن يسكن مع نسله على كامل الرقعة المذكورة، لا بهدف إنشاء كيان سياسي جديد، كما يريد الصهاينة أن يفسّروه، بل ليتمكن هو وذريته من التعايش مع مواطني المنطقة الذين كانوا وثنيين في ذلك الوقت، ناشراً بسلام معرفة الله الواحد التي كُشفت له.
في حين أن اليهود بعد ابراهيم، بعكس مخطط الله، تحوّلوا إلى صهاينة. لم يكتفوا بالإيمان بوحدانية الله، بل أرادوا تملّك أراضي وخيرات السكان الآخرين، محاولين طردهم من المنطقة بذريعة أن الله وهبهم هذه الأرض وأنهم أصحابها الوحيدون. الكتاب المقدس غني بالأمثلة عن الدماء التي سفكها الإسرائيليون ليسكنوا في المنطقة من خلال طردهم المواطنين بقوّة السلاح.
لقد أولج الكتبة اليهود في الكتاب المقدس، بتحريض من زعمائهم الدينيين والسياسيين، نصوصاً مصطنعة نسبوها إلى الله لتبرير أطماعهم. بعد ذلك، قام الأنبياء بإدانة هذه الممارسات الخادعة. أذكر بعض الأمثلة من النصوص الأكثر أهمية التي تتعلق بحدود إسرائيل:
“شاخ يشوع وكبر في السن، فقال له الرب: شخت وكبرت في السن، وبقيت أراض للامتلاك كثيرة. وهذه هي الأراضي الباقية: كل بقاع فلسطين… وكل لبنان… إلى ليبو حماة. كل سكان الجبل من لبنان… وكل الصيدونيين سأطردهم من أمام بني إسرائيل” (يشوع 13، 1-7).
أسأل نفسي اليوم: إن كان الله فعلاً هو الذي قال هذا الكلام، لماذا نحن اللبنانيون لا نرى أنفسنا مطرودين من بيوتنا، هاربين من أمام الإسرئيليين؟ لماذا العكس هو الذي يحدث؟ فالعالم يرى اليوم الإسرائيليين هم الذين يهرولون هاربين من جنوب لبنان. وأين هم جنود التسهال الهاربين، جيش إسرائيل، أين هم من مدينة حماة في شمال سوريا؟ ولماذا لا يملأ الذعر قلوب الصيداويين في جنوب لبنان، بل قلوب بني إسرائيل سكان المستوطنات اليهودية في شمال فلسطين، في الجليل؟
نجد أيضاً في سفر التثنية (التثنية 11، 24-25): يقول الله لبني إسرائيل: “كل موضع تدوسه أخماص أقدامكم يكون لكم، من البرية (سيناء) جنوباً إلى لبنان شمالاً، ومن نهر الفرات شرقاًً إلى البحر (المتوسط) غرباً. لا يقف إنسان في وجوهكم لأن الرب إلهكم يلقي الرعب والخوف منكم على كل الأرض التي تدوسونها كما وعدكم”. هكذا هو النص الكتابي.
ماذا يمكننا أن نقول نحن اللبنانيون المؤمنون بالكتاب المقدس والذين لا نهاب يهود اليوم وقد زرعنا الخوف واليأس في قلوب التساهال، جنود الجيش الإسرائيلي البواسل الذين رأيناهم بأم أعيننا يهربون وينتحرون بالجملة؟ وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه للصحافة العالمية. فربّ الإسرائيليين ربما لم يكن يرى ما يطلق عليه الإسرائيليون اسم “الإرهاب الشيعي” آتياً، هذا الإرهاب الذي أرهبهم بخلقه، حتى اللحظة، مقاومة تروّع قلوبهم وتقض مضاجعهم.
من حقنا أن نتساءل إذاً كيف يمكن للكتاب أن يقول: “لا يقف إنسان في وجوه” الإسرائيليين؟ ألم يقف هؤلاء الشيعة، أبناء فاطمة الأشراف مع حلفائهم في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الهائلة؟ والرعب، ألم يملأ قلوب جنود إسرائيل الذين همّهم الوحيد كان الإسراع بالانسحاب من لبنان؟ رعب لم يعرفه سكان جنوب لبنان؟ كيف يقول الكتاب المقدس إن الرب “يلقي الرعب والخوف منكم على كل الأرض التي تدوسونها”. ومن هو إذاً هذا الرب الكذاب والمخادع؟
يجيبنا يسوع في إنجيل القديس يوحنا قائلاً لليهود الذين كانوا يرفضونه: “أنتم أولاد أبيكم (ربّكم) إبليس، وتريدون أن تتبعوا رغبات أبيكم” (يوحنا 8، 44). نحن نؤمن بكلام يسوع.
الأسرائيليون، عند انسحابهم من سيناء، كانوا خائبي الأمل من “ربّهم” ومن رئيس حكومتهم آنذاك، مناحيم بغين، الذي حثّهم من قبل على الاستقرار فيها. خيبة الأمل هذه كانت تعود إلى وعد الكتاب المقدس لهم بامتلاك تلك المنطقة بصورة دائمة.
الصهاينة، بعد انسحابهم من سيناء، لم يتعلموا الدرس؛ لم يفهموا بعد أن “الرب” المضلل الذين يعبدون ليس الخالق العلي العظيم، القادر على تحقيق وعوده بكلمة واحدة.
لقد رأينا نصوصاً في الكتاب المقدس تشير إلى حدود إسرائيل من النيل إلى الفرات. كما نجد نصوصاً أخرى يحدد فيها الرب حدوداً أقل طموحاً بما أنها تقول إن حدود إسرائيل من البحر المتوسط إلى البحر الميت فقط، مثل هذا النص من كتاب العدد 34، 8-12 الذي ينسب إلى الله قوله: “وهذا يكون لكُم التخم الشمالي: مِنَ البحرِ الكبـيرِ (البحر المتوسط) تخطّون حدّا إلى جبلِ هور، ومن جبلِ هور تخطّون حدّا إلى مدخلِ حماة وينفذ إلى صدد، ثمَّ يخرج إلى زِفرون وينتهي عند حصرِ عينان. ذلك يكون الحد الشمالي. وتخطّون الحد الشرقيّ من حصرِ عينان إلى شفام، ثمَّ ينحدر من شفام إلى رِبلة، شرقي عين، حتّى يلامس جانب بحرِ كنَّارة شرقا (بحيرة جنيسارت)، ومن هناك ينحدر إلى الأردن وينفذ إلى البحرِ الميت. تلك تكون لكم حدود أرضكم من كل جهةٍ”.
وفقاً لهذا النص، تنحصر الحدود الشرقية لإسرائيل بالأردن بعيداً كل البعد عن نهر الفرات، وحدودها الغربية بالبحر المتوسط، دون أن تشمل سيناء.
كثير من الإسرائيليين يؤمنون بما يسمّونه “إسرائيل الكبرى”، إمبراطورية صهيونية عالمية يكون مركزها الوطني في الشرق. لكن هؤلاء أنفسهم يرتبكون ويُحرجون عندما يُطلب منهم تحديد حدود هذه الدولة الإسرائيلية. هذا الارتباك وهذا الإحراج يعودان إلى نصوص الكتاب المقدس التي تختلف بخصوص تحديد هذه الحدود. لذلك، وحتى يومنا هذا، لم تقدّم إسرائيل للأمم المتحدة خارطة تحدد حدودها الجغرافية.
هذه هي النصوص الكتابية الرئيسية التي يستثمرها الإسرائيليون لابتزاز دعم ما يسمى بالعالم “المسيحي”. نرى أن الحدود تتغير وفقاً لطموح الكتبة. بينما، إن كان الله حقّاً، الخالق الأوحد لكل شيء، هو الذي أملى حدود هذا الكيان الإسرائيلي، لما كانت هذه النصوص التوراتية مترنّحة بين نزعة أقل أو أكثر توسعية، تاركة أولئك الذين يؤمنون بها بإرباك تام، ومكدّرين العالم أجمع بعدم صحة مزاعمهم. الله الذي خلق كل شيء بتوازن رائع، لم يكن، بما لا يقبل الجدل، ليوحي نصوصاً متقلبة. لكن الكتبة الإسرئليين نسبوا لله كل شيء ليبرروا المطامع الصهيونية.
اليهود الأكثر طموحاً اختاروا حدوداً لإسرائيل من النيل إلى الفرات. إضافة إلى أنهم لا يجدون وسائل سلمية للوصول إلى هدفهم بموافقة الرأي العام العالمي. السيدة جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية الراحلة، قالت فيما مضى: “إن العالم الذي يقاومنا لم يفهم شيئاً. لأننا، بعد الحرب العالمية الأولى، حصلنا على وعد بلفور. وبعد الحرب العالمية الثانية، حصلنا على دولة إسرائيل”. كانت تلمّح في خطابها إلى أنه بعد الحرب العالمية الثالثة، الحرب التي بوسع الصهيونية العالمية إطلاقها، سيتوصل الإسرائيليون إلى تحقيق حلمهم الدائم، الامبراطورية الإسرائيلية التي ستنبثق من أنقاض هذه الحرب النووية، لتمتد من النيل إلى الفرات. أرادت السيدة مائير من خلال كلامها تخويف العالم بأنها تملك مفتاح الحرب العالمية الثالثة الرهيبة. فكان على العالم إذاً أن يفعل كل ما في وسعه للرضوخ لمتطلبات “إسرائيل الكبرى” وإلاّ فإن الصهيونبة ستعرف كيف تشعل فتيل الحرب لتحقيق ذلك.
هذا ما دفع وزير خارجية الولايات المتحدة السابق، هنري كيسينجر، اليهودي والصهيوني الشهير، لعرض مخططه الشهير “خطوة خطوة” لحل مشكلة الشرق الأوسط. ما يعني، بالمفهوم الصهيوني، حل مشكلة المنطقة من خلال توسيع حدود إسرائيل إلى حدودها التوراتية من النيل إلى الفرات، “خطوة خطوة”، بهدوء، دون إحداث أي ضجيج.
في حين أننا نرى ونسمع ضجيج فرارهم من لبنان بما أوتوا من سرعة، تحت وقع الضربات المتكررة والقاسية للمقاومة اللبنانية الباسلة. جنود التساهال ينسحبون من لبنان، مقنِّعين هروبهم بما يسمّى انسحاباً تكتيكياً. كيف سيكون بإمكانهم إذاً أن يصلوا إلى الفرات وإلى حماة؟ أبندحارهم هكذا بخطوات عملاقة؟
إن وجدنا في الكتاب المقدس آيات تحدد حدود إسرائيل فهذا لا يعني أبداً أن الله هو مصدرها: بل على العكس، إنها تشويش يحرّف مخطط الله عن مساره الطبيعي والسلمي.
نجد في الكتاب المقدس أمثلة عديدة عن هذا التشويش، والنبي أرميا لم يتوانى عن إدانة هذه الممارسة الجنونية، متهماً “قلم الكتبة الكذاب” بأنه قد أثقل الكتاب بنصوص كاذبة. فيقول هذا النبي الكبير لليهود في الفصل 8، 8 من كتابه:
“كيف تقولون: نحن حكماء وشريعة الرب معنا؟ أما ترون أن قلم الكتبة الكذاب حوّلها إلى الكذب”.
نجد في القرآن الكريم صدى لنفس هذا الكلام في الآية 79 من سورة “البقرة” حيث يقول الله: [ ويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ].
الكتبة الإسرائيليون أقحموا في الكتاب كثيراً من الأمثلة والخرافات التي تخدم مصالحهم، خاصة فيما يتعلق بالأضاحي والمحرقات المفروضة على الشعب ليقدمها للهيكل. حصة كبيرة من تقدمات الحيوانات، من الزيت وغلال الأرض الوفيرة، كانت تعود للكهنة.
أذكر على سبيل المثال النص التالي من كتاب اللاويين الفصل 7، 32-34، الذي ينسب لله قوله: “واعطوا الكتف اليمنى لمن منهم قرّب دم ذبيحة السلامة وشحمها فيكون أنّي أخذت الصدر والكتف اليمنى من ذبائح سلامة بني إسرائيل وأعطيتها لهرون الكاهن ولبنيه. هذه فريضة لبني إسرائيل إلى الأبد. تلك حصة هرون وبنيه من الذبائح التي توقد للرب يوم تقديمهم ليكونوا كهنة له، أمر الرب بها فريضة أبدية على ممر أجيالهم”.بهذه الطريقة يوثّق الكتاب المقدس أن الله هو الذي أمر بهذه الأضاحي وأمر أن تكون من نصيب الكهنة إلى الأبد.
بينما ها هو النبي أرميا يتمرّد باسم الله ويدين هذه الممارسات مشيراً إلى أنها ليست من الله، أكرر، ليست من الله. فيقول هذا النبي للمتدينين ساخراً: “قال الرب القدير إله إسرائيل: إجمعوا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحمها. فأنا لم أكلّم أباءكم ولا أمرتهم بأية محرقة أو ذبيحة يوم أخرجتهم من أرض مصر” (أرميا 7، 22).
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: كيف يمكن للكتاب المقدس أن يقول إن الله طلب أضاحي الحيوانات ومن ثم يأتي نبي توراتي كبير مثل أرميا ليعلن، بوحي من الله، أن الله لم يأمر بهذه الفرائض. فهل يتناقض الكتاب مع نفسه؟
لقد اعتدنا اعتبار النص الكتابي بمجمله على أنه بوحي إلهي وأغفلنا أن نطلب من الكتاب ماذا يقول هو نفسه بهذا الصدد. لأن الكتاب هو الذي يحذّرنا من الكلام الكاذب الذي أقحمه فيه “قلم الكتبة الكذاب” كما يقول أرميا.
ما قاله الله عن الأضاحي، يقال أيضاً عن تقدمة فلسطين ومحيطها للإسرائيليين. النصوص التي تعطي هذه المنطقة من العالم لليهود، مع تحديد الحدود، ليست من الله، بل انبثقت من الهذيان الصهيوني.
الكتاب المقدس يحث اليهود على احتلال الأراضي وعلى طرد السكان. في حين أن الله، ودائماً في الكتاب، يدين هذه الممارسة البغيضة بشكل واضح ويحثّ أنبياءه على إدانتها. إسمعوا على سبيل المثال هذا النص المأخوذ من كتاب النبي أشعيا حيث يثور الله على إسرائيل التي يُرمز إليها بالكرمة، مثلما الأرز هو رمز لبنان. فيقول الله:
“يا سكان أورشليم، ويا رجال يهوذا، أحكموا بين كرمي وبيني. أي شيء يعمل للكرم وما عملته لكرمي؟ فلماذا أثمر حصرماً بريّاً حين انتظرت أن يثمر عنب؟ فاعلموا ما أفعل بكرمي: أزيل سياجه فيصير مرعى، وأهدم جدرانه فتدوسه الأقدام. أجعله بوراً لا يُفلح ولا يُزرع، فيطلع فيه الشوك والعوسج، وأوصي الغيوم أن لا تمطر عليه”. كرم الرب القدير بيت إسرائيل وغرس بهجته شعب يهوذا. إنتظرَ الحق فإذا سفك الدماء، والعدل فإذا صراخ الظلم. ويل للذين يضمّون بيتاً إلى بيت ويصلون حقلاً بحقل، حتى لا يبقى مكان لأحد، فيسكنون في الأرض وحدهم” (إشعيا 5، 3-8).
هكذا ينقض الكتاب المقدس ذهنية وأطماع الصهاينة الذين يريدون أن يكونوا أصحاب الأرض الوحيدين، مضيفين حقلاً إلى حقل، ومضاعفين عدد مستوطناتهم على كامل أرض فلسطين بالعنف، والدم، والظلم، مع رغبتهم أيضاً بالامتداد على الأرض اللبنانية.
نجد إذاً في التوراة صراعاً بين ذهنيتين مختلفتين الواحدة عن الأخرى، صراعاً يتجلّى بين نوعين من النصوص المتناقضة دون أي حل وسط، صراع بين الله والإسرائيليين، بين فكر الله وفكر إسرائيل، بين الروح القدس والروح الصهيونية.
كل من يتمتع بالقدرة على التمييز ويملك بعض الخبرة الكتابية الحكيمة يمكنه أن يفرّق بين فكر الله وفكر الصهيونية العنصرية والعنيفة. الخالق نفسه يدين هذ ا الاختلاف الأساسي قائلاً بلسان النبي إشعيا: “لا أفكاري أفكاركم يقول الرب، ولا طرقكم طرقي. كما علت السماوات عن الأرض، علت عن طرقكم طرقي، وأفكاري علت عن أفكاركم” (إشعيا 55، 8-9(.
لجأ الصهاينة إلى الحيلة لإدخال نصوصهم في التوراة كي يحتلّوا الأراضي باسم الله. لكن الله، بحسب الآية، الذي “يمكر مع الماكرين”، كان أكثر مكراً بإدخاله في الكتاب نصوصاً تجعل إعطاء الأرض مشروطاً بالوفاء بالعهد. في حين أننا نعلم أن اليهود قد نقضوا العهد من خلال خياناتهم المتعددة. لقد عبدوا الأصنام الوثنية وذهب بهم الأمر إلى تقديم أبنائهم وبناتهم ذبائح حيّة لها، فقال الرب عنهم بلسان النبي إرميا:
“بنو يهوذا فعلوا الشر أمام عيني، فنصبوا أصنامهم الرجسة في البيت الذي دعي باسمي لينجّسوه، وبنوا مشارف توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار. وأنا ما أمرت بذلك ولا خطر ببالي” (إرميا 7، 30-31).
هذه الممارسات البغيضة كرّست فسخ العهد بين الإسرائيليين والله الذي أدان عدم إخلاصهم بلسان أنبيائه. فقد أعلن الله بلسان النبي إشعيا:
“إسمعي أيتها السماوات واصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلّم: “البنون الذين ربيتهم ورفعتهم تمردوا علي. الثور يعرف مقتنيه والحمار معلف صاحبه، أما بنو إسرائيل فلا يعرفوا … ويل للأمة الخاطئة، للشعب المثقل بالإثم، لنسل الأشرار والبنين المفسدين! تركوا الرب واستهانوا بالله قدوس إسرائيل، وإليه أداروا ظهورهم” (إشعيا 1، 2-4).
بدوره، أدان النبي إرميا إسرائيل قائلاًً: “قال لي الرب: “تمرّد علي رجال يهوذا وسكان أورشليم ورجعوا إلى ذنوب آبائهم الأولين الذين رفضوا أن يسمعوا لكلماتي، فاتبعوا آلهة أخرى ليعبدوها؟ ونقض بيت إسرائيل وبيت يهوذا ذلك العهد الذي عاهدت به آباءهم” (إرميا 11، 9-10).
لم يتوانى القرآن الكريم عن الانضمام للنفحة النبوية بإدانته خيانة اليهود في أكثر من آية، بما في ذلك الآية 155 من سورة النساء، حيث يقول الله عن اليهود: [ فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق…].
شرط الوفاء للعهد يظهر في كلام موسى للشعب في الفصل 28 من كتاب التثنية إذ قال: “وإذا (إذا تدل على الشرط) سمعتم كلام الرب إلهكم وحرصتم على العمل بجميع وصاياه… يجعلكم فوق جميع أمم الأرض… وإن لم تسمعوا كلام الرب إلهكم (من جديد كلمة “إن” تدل على شرط)… تحلّ عليكم هذه اللعنات كلها وتشملكم: تكونون ملعونين… ويكون ملعوناً ثمر بطونكم”. ويتابع موسى متنبئاً بخيانة الشعب، قائلاً: “ولأنكم لم تسمعوا كلام الرب إلهكم، كما يسر الرب إذا أحسن إليكم وكثّركم، فكذلك يُسرّ إذا أبادكم ودمّركم وأزالكم عن الأرض التي أنتم داخلون إليها لتمتلكوها”.
لاحظوا أن البديل لتملّك الأرض هو الطرد من هذه الأرض نفسها في حال خيانة العهد: “أزالكم عن الأرض التي أنتم داخلون إليها لتمتلكوها”. والحال هو أننا أثبتنا هذه الخيانة التي أدانها الأنبياء.
إن افترضنا أن الكتاب يعطي لليهود المنطقة التي تمتد من النيل إلى الفرات، فعلينا ألا ننسى أن هذه العطاء مشروط، وأن الشروط لم يتم احترامها، وأن العهد قد أُبطل باعتراف الأنبياء، وأن إعطاء الأرض في النهاية قد حلّ محلّه الطرد من هذه الأرض، وذلك، بحسب كلام الله وموسى الذي نقله الكتاب نفسه.
نندهش إذاً عندما ندرك أن إسرائيليي اليوم توصّلوا إلى خداع الغرب المسيحي بالنصوص التوراتية التي تتكلم عن إعطاء أرض فلسطين لليهود.
نعتقد أن المؤمنين اليقظين والحكماء الذين عرفوا كيف يحافظون على حسن التمييز، سيفهمون أن الكتاب لا يعطي لإسرائيل مكاناً في الشرق. فكان عليهم أن يجيبوا على ابتزاز الصهاينة الذين يهددونهم بمعاداة السامية من خلال الكتاب المقدس، كما كان يفعل الأنبياء فيما مضى. هؤلاء المؤمنون الحقيقيون سيساهمون كذلك بتنوير العالم وبإنقاذ جميع البشر بالإضافة إلى اليهود الراغبين أنفسهم من الكذب الصهيوني.
الأنبياء ينقضون دولة إسرائيل
بعد أن رأينا، في الجزء الأول، النصوص الصهيونية التي أدخلها خلسة قلم الكتبة الكذاب، وشجب الأنبياء لهذه الممارسة، سنرى في هذا الجزء الثاني كيف أن الله وأنبياءه أدانوا إقامة كيان سياسي يهودي.
لقد قلت في الجزء الأول من المحاضرة إنه يوجد في كتب العهد القديم من الكتاب المقدس صراعاً بين نوعين من النصوص، النصوص التي هي بوحي من الله والنصوص الدخيلة التي تنبثق من الخرافات الصهيونية. هذا الصراع بين النصوص يشير إلى مقاومة الإسرائيليين الشرسة المعارضة لله، في الماضي كما في يومنا الحاضر أيضاً. إن مركز هذه المعارضة كان دائماً هو نفسه، ألا وهو الرغبة التي تملكها الأغلبية اليهودية بتأسيس دولة سياسية يهودية يحكمها المسيح الذين كانوا يتصورونه ولا زالوا قائداً صهيونياً يُعلَن ملكاً على مملكة إسرائيلية صهيونية. في حين أن الله يعارض إنشاء هكذا كيان وقد أعلن ذلك صراحة لليهود بلسان أنبيائه. النزاع بين الله واليهود هو إذاً دولة إسرائيل.
في الفصل 32، 28 من كتاب التكوين، يشرح لنا الكتاب المقدس معنى كلمة إسرائيل، وتعني “الذي حارب الله”. لاحظوا أن هذه الإسم هو عكس اسم “إسلام” الذي يعني في اللغة العربية “الذي أسلم وجهه لله”، الاستسلام لمشيئة الله، كما يشرحه القرآن الكريم في الآية 22 من سورة “لقمان”: [ من يُسلم وجهه إلى الله وهو محسن…]. يسلّم وجهه إلى الله، يحوّل وجهه إلى الله، ينظر أو يحوّل نظره إلى الله، هي عبارات للتعبير عن الخضوع التام لرب العالمين.
رفض أنبياء التوراة أن يتواطئوا مع اليهود لإنشاء الدولة التي كان هؤلاء الأخيرون يطمعون بها. سبب هذا الموقف النبوي الجدير بالثناء هو أن اليهودية هي ديانة، هي إيمان بالله الواحد، وليست أيديولوجية سياسية تعمل لإنشاء امبراطورية صهيونية في العالم. فالله لم يرسم أبداً لابراهيم مساراً سياسياً يؤدي إلى إقامة دولة عبرية. لأن ابراهيم كان يملك هوية واندماجاً اجتماعياً حرص الكتاب المقدس على كشفه. ابراهيم كان أرامياً، أي سورياً، أي من أصل عربي. في حين أن اليهود كانوا يزعمون أنه كان عبرانياً، مع العلم أن الشعب العبراني لم يكن موجوداً قبل ابراهيم. نجد في الفصل 14، في الآية 13 من كتاب التكوين إشارة إلى “ابرام العبراني”. كلمة “العبراني” أضافها الكتبة ليسود الاعتقاد بأن ابراهيم كان عبرانياً. إنه أحد الأمثلة على ما أولجه قلم الكتبة الكذاب في الكتاب المقدس. لتصحيح ذلك، أوحى الله لموسى في الفصل 26، الآية 5 من كتاب التثنية، أن يطلب من الشعب اليهودي أن يقول أمام مذبح الله الكلام التالي: “كان أبي أرامياً (سورياً) تائهاً”. لو كان ابراهيم عبرانياً، لما توانى موسى عن ذكر ذلك.
بتسليط الضوء على هوية ابراهيم السورية والعربية، لا أهدف إلى أن أستأثر بالوحي الإلهي لصالح العرب، ولا إلى أن أبشّر بوطنية عربية من أي نوع. بل هدفي هو إنقاذ الوحي من المحاولات التي تهدف إلى “صهينة” الكتاب المقدس، أي استغلاله في خدمة الصهيونية. لأن الوحي الكتابي قد أعطى لتنوير جميع البشر وليس اليهود وحدهم، كما اختار هؤلاء الأخيرون أن يؤمنوا.
من خلال تبيان هوية ابراهيم السورية، أود الوصول أيضاً إلى أن ابراهيم، كونه كان مواطناً ينتمي إلى دولة عريقة، لم يكن بحاجة أبداً لتأسيس دولة أخرى، أعني بالقول إلى تأسيس دولة إسرائيلية.
ما كان يريده الله من المجتمع اليهودي منذ البدء، هو التعايش السلمي مع أبناء بلدهم، مبشّرين بالتوحيد، انطلاقاً من المنطقة التي كانوا موجودين فيها، بمحبة وأناة في عالم كان آنذاك يجهل الله الواحد ويتخبّط في الميثولوجيا المتعددة الآلهة.
لكن اليهود أخفقوا في رسالتهم التوحيدية، ليس فقط من خلال انغماسهم بعبادة الأصنام، بل أيضاً من خلال انغلاقهم على الآخرين، فانعزلوا في مجتمعاتهم وأقاموا حواجز نفسية سببها عقدة تفوق مَرَضية. نحن نتفهم الذين ينغلقون على الآخرين من منطلق الحرص على القيم وخوفاً من التلوّث الأخلاقي. على المرء ألا يعاشر إلاّ أناساً بنّائين. هذا النوع من الانعزال جدير بالثناء. لكننا ندين الحواجز النفسية والاجتماعية عندما تكون مبنية على اعتبارات مجموعات عرقية. في حين أننا نلاحظ أن الأسرائيليين، بتصرفاتهم الوثنية والمنافية للأخلاق والتي يدينها الكتاب المقدس، لا يرتكزون على القيم الأخلاقية في تعاملهم مع المجموعات العرقية الأخرى.
بانغلاقهم في غيتو روحي واجتماعي، استسلم الإسرائيليون للتكبّر والتعصّب من خلال قناعتهم أنهم شعب الله المختار الوحيد. وقد لاموا يسوع المسيح لأنه قال إن كثيراً من الناس سيأتون من المشرق والمغرب، إذاً من كل الأعراق ومن كل الشعوب، ويجلسون إلى المائدة مع ابراهيم في ملكوت السماوات، أمّأ هم، أبناء الملكوت، أي مملكة إسرائيل، فسيطرحون خارجاً (متى 8، 11). من ثم قام اليهود بتسييس رسالتهم الروحية، طامحين إلى حكم العالم أجمع من خلال امبراطورية إسرائيلية، على غرار الامبراطوريات الأخرى، الأشورية، البابلية، الرومانية… مثل هذه الامبراطورية رفضها يسوع من إبليس. لكن اليهود كانوا يطمحون، ولا زالوا حتى اليوم، لإقامة هذه الامبراطورية الصهيونية انطلاقاً من فلسطين.
الواقع أن فلسطين لم تكن يوماً غير مأهولة. بل على العكس تماماً، فالكتاب المقدس يكشف في الفصل 13، 27-28 من كتاب العدد أن موسى أرسل كشّافين لاكتشاف تلك المنطقة وأنهم عادوا حاملين معهم من ثمرها الكبير واللذيذ. التقرير الذي قدّمه الكشّافون لموسى عن فلسطين، منذ ذلك الوقت، كان التالي: “ذهبنا إلى الأرض التي أرسلتنا إليها، فإذا هي بالحقيقة تدرّ لبناً وعسلاً، وهذا ثمرها، غير أن الشعب الساكنين فيها أقوياء والمدن حصينة عظيمة جداً”. هذه هي شهادة الكتاب المقدس بالنسبة لفلسطين سنة 1200 ق.م. هل من المنطق إذاً أن الله الحكيم والعادل قد اختار أناساً لإقامة دولة إسرائيلية على أرض مأهولة يسكنها أناس أشداء بنوا مدناً حصينة وعظيمة؟ بالطبع لا! لأن ذلك كان سيأخذ المنطقة إلى حروب لا تنتهي، والرب هو إله سلام. وكيف نصدّق الراحلة جولدا مائير، التي قالت إن فلسطين كانت خاوية، وإن الفلسطينيين لم يكونوا موجودين، وإنه كان يجب من أجل ذلك، إعطاء أرض دون شعب، أي أرض فلسطين، إلى شعب دون أرض، أي اليهود؟ الإنسان الذكي وحسن النية لا يمكن ان نتطلي عليه مثل هذه الأكاذيب.
الرب لم يطلب لا من ابراهيم ولا من موسى إقامة أمّة، أو دولة، بل طائفة يهودية. وقد عارض بكل وضوح اليهود الذين كانوا يريدون إقامة ملك على ذوقهم، كما سنرى فيما بعد.
المحاولة الأولى لتسييس اليهودية نراها في كتاب القضاة مع جدعون، أحد عشر قرناً قبل يسوع، بعد موسى بحوالي 200 سنة. كان اليهود آنذاك قد دخلوا إلى فلسطين مع يشوع. وبالتأكيد لم يكن دخولهم سلمياً، بل بالعنف وقوّة السلاح لاغتصاب أراضي وخيرات السكان الآمنين، وفقاً للرواية الكتابية. المستوطنون الصهاينة اليوم يتشبّهون بمستوطني الأمس، مع إضافة مزيد من العنف، للاستيلاء على فلسطين، ومحاولة ضم لبنان.
في القرن الحادي عشر ق.م، خاض جدعون حروب بني إسرائيل ضد سكان المنطقة الشرعيين. بعد بضعة معارك رابحة، أرسلت الطائفة اليهودية ممثلين عنها ليطلبوا من جدعون أن يملك عليهم وأن يرثه ابنه وابن ابنه من بعده، منشئين بذلك سلالة ملكية صهيونية تملك على اليهود كشعب سياسي مثل الشعوب الأخرى. في الفصل 8 من كتاب القضاة، تنقل إلينا الآية 23 جواب جدعون إلى اللجنة التي أرسلتها الطائفة اليهودية للتوسّل إليه. فأجابهم جدعون: “أنا لا أتسلط عليكم ولا ابني، بل الرب هو الذي يتسلط عليكم”.
تجدر الإشارة إلى أن يسوع، مثل جدعون، رفض أن يكون ملكاً سياسياً على اليهود. فبعد أن رفض تقدمات الشيطان، يقول لنا القديس يوحنا في الفصل 6، 14-15 من إنجيله، إن يسوع “لمّا عرف أن الناس يستعدون لاختطافه – بالقوة- وجعله ملكاً (على إسرائيل)، ابتعد عنهم ورجع وحده إلى الجبل”. هذا الرفض الذي أبداه يسوع تجاه إقامة مملكة صهيونية هو السبب الرئيسي لرفض اليهود، اليوم أيضاً، الاعتراف بأنه المسيح. لأنهم فهموا أن يسوع يرفض قيام دولة إسرائيلية ويدين أطماعها، هو الذي قال إن مملكته ليست من هذا العالم الصهيوني.
المحاولة الثانية لإقامة مملكة كما ينقلها إلينا العهد القديم، بعد محاولة جدعون، أتت 100 سنة بعد جدعون، في أيام صموئيل. الكتاب المقدس في الفصل 8 من كتاب صموئيل الأول، يعلمنا أن “شيوخ بني إسرائيل اجتمعوا وجاؤوا إلى صموئيل في الرامة وقالوا له: “…أقم علينا ملكاً يقضي بيننا كما هي الحال في جميع الأمم”. يكشف الكتاب المقدس بوضوح استياء صموئيل من قولهم: “أقم علينا ملكاً يقضي بيننا”. فصلّى صموئيل إلى الرب الذي عبّر بدوره عن رفضه وغضبه على الشعب، إذ قال الله لصموئيل: “إسمع لكلام الشعب في كل ما يقولون لك. فهم لا يرفضونك أنت، وإنما يرفضونني أنا كملك عليهم”. هكذا يدين الكتاب المقدس كياناً إسرائيلياً مناقضاً لمخطط الله.
حاول صموئيل عبثاً إقناع رؤساء الشعب الالتزام بمخطط الله، لكنهم امتنعوا بشكل قاطع قائلين له: “كلا، بل يملك علينا ملك. ونكون نحن كسائر الشعوب، فيقضي بيننا ويكون قائدنا ويحارب حروبنا”. لاحظوا أن هدف اختيار هذا الملك هو أن يحارب حروبهم. فأذعن صموئيل، حفاظاً على وحدة الطائفة، وكان شاول أول ملك على إسرائيل. هكذا ينقل لنا الكتاب المقدس كيف أنشأ الإسرائيليون دولتهم، مملكة لم تحظى أبداً برضى الله. نفهم ذلك من كلام الله نفسه عندما قال لصموئيل: “إنما يرفضونني أنا كملك عليهم”.
سبب الرفض الإلهي لدولة عبرية هو أنها لا يمكن أن تبنى سوى على الظلم، على أنقاض حقوق الغير، بالحرب والدم. لذلك، لاحظوا أيضاً طلب اليهود من صموئيل ملكاً يحارب حروبهم لإرضاء طموحهم بإقامة دولة إسرائيل، هذا الكيان الذي كان دائما نتاج الدم وانتهاك حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، إضافة إلى أن مخطط الله كان خلق طائفة مسالمة تبشّر به وتتحضر لاستقبال المسيح، لا أمة عدوانية ومنطوية على نفسها.
تعلّق الإسرائيليين بكيان عبري لم يتوقّف عن كونه مصدر إلهامهم على جميع المستويات وموجِّهاً لأفكارهم وأفعالهم، ليس فقط على المستوى الدنيوي، بل أيضاً في ما يخص المسيح المنتظر الذين يتصورونه قائداً صهيونياً يقودهم لمحاربة العرب والانتصار عليهم وإخضاعهم بأعجوبة وبصورة سحرية. ولن يستكينوا حتى يقيموا امبراطوريتهم الصهيونية العالمية، قمّة المثال الأعلى اليهودي.
مع ظهور دولة إسرائيل، ظنّ كثير من الإسرائيليين أن مسيحهم قد ظهر وهو موجود في العالم، حتى أن بعضهم اعتقد أن هذا المسيح، ملك إسرائيل، هو رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن، خاصة بعد زيارة أنور السادات، رئيس جمهورية مصر، إلى القدس، والمعاهدات الإسرائيلية-المصرية في كامب ديفيد. بعض آخر رأى وجه المسيح بأرييل شارون، قائد الجيش الإسرائيلي. وخلال الانتخابات الإسرائيلية المبكرة سنة 1981، سمعنا هتافات الإسرائيليين المؤيدة تارة لبيغن: “بيغن ملك إسرائيل”، وتارة أخرى لشارون: “أرييل ملك إسرائيل”. الرجلان كانا وقتئذٍ في ذروة مجدهما. نعلم أن لقب “ملك” لا يعطيه الإسرائيليون إلا للمسيح المنتظر. هذا المسيح الصهيوني هو الذي يدينه القديس يوحنا في رسالته الأولى الآية 22، 2 ناعتاً إياه بالمسيح الدجال، مقرنة بيسوع الذي هو المسيح الحقيقي.
يهود اليوم يعتبرون أن إسرائيل تمر بمرحلة انتقالية تنتهي بمجيء المسيح الذي سيؤسس النظام النهائي في إسرائيل، الذي سيكون نظاماً ملكياً يفتتح سلالة ملكية تملك حتى نهاية الأزمنة، وذلك بحسب الرواية الإسرائيلية.
توصّلت الصهيونية العالمية، من خلال أداتها الماسونية، إلى الإطاحة بأكثر من مملكة في العالم إلى أن لا يبقى، عندما يحين الوقت، سوى مملكة إسرائيل، وأن يُعلن ملكها ملكاً عى العالم. تعمل الصهيونية حالياً من خلال عملائها السريين للإطاحة بمملكة إنجلترا.
أنبياء التوراة فهموا أن اليهود لن يتوصلوا إلى إنشاء دولتهم إلا بالظلم والمكر والدماء. لهذا السبب، ممتلئين من روح الله، قام الأنبياء على الإسرائيليين لأنهم اختاروا ملوكاً ورؤساء سياسيين ناسين أن لديهم رسالة روحية، لا سياسية. فلقد ثار الله غاضباً على الإسرائيليين قائلاً بلسان النبي هوشع: “بنو لإسرائيل جاوزوا عهدي وتعالوا على شريعتي. يصرخون إلي: “يا إله إسرائيل نحن نعرفك”. لكنهم يُرفضون وسيطاردهم العدو. ينصّبون ملوكاً ولا يستشيرونني. يقيمون رؤساء وأنا لا أعلم” (هوشع 8، 1-4).
هكذا ينقض الكتاب المقدس إسرائيل ويدعو يهود اليوم للاعتراف بأن إبراهيم سلفهم كان سورياً. ويكرر لهم اليوم ما قاله لإسرائيليي الأمس، أي أن رؤساءهم لا يحظون بمباركة الله. أكررر، الرؤساء الإسرائيليين اليوم لا يحظون بمباركة الله. فكيف يوجد إذاً رؤساء دين مسيحيين يرضون عنهم ويدعمونهم؟ بتصرفهم هذا، لا يساهمون سوى بضياعهم.
مع علمهم أن الكتاب المقدس يدينهم، لجأ قادة الطائفة اليهودية منذ قرون بعيدة إلى وسائل أخرى لتبرير أطماعهم. فابتدعوا التلمود ورفعوه إلى أعلى مستوى في التقاليد اليهودية. إنه بالنسبة لهم بمثابة كتاب مقدس شفهي، أو تلمود شفهي. حتى أن الدراسات التلمودية تعتبر أكثر قيمة من الدراسات الكتابية بما أنها تهدف إلى تبرير كل جهد يرمي إلى تطور الصهيونية.
العلاقة بين إسرائيل، المسيح الدجال و “جوج وماجوج”
تعليق أخير على هذا الموضوع: إن كان الله ينقض إسرائيل، فهناك سؤلان يطرحان نفسيهما: أولاً، لماذا سمح بعودة ظهورها؟ وثانياً، هل يتكلم الكتاب المقدس عن هذه العودة؟
أجيب على السؤال الأول: لماذا سمح الله بعودة ظهور إسرائيل؟
سمح الله بعودة ظهور إسرائيل ليضرب كل الذين طالتهم المادية واستولى عليهم الروح الصهيوني هم وحلفائهم بعقاب سيغيّر وجه العالم، قالباً رأساً على عقب الظروف السياسية، الاجتماعية والدينية المسيطرة حالياً. من خلال ظهورها، تحشد إسرائيل حولها جميع المنافقين، رسل الكذب وأبناء الظلام. بالقضاء على إسرائيل، يدين الله في نفس الوقت أشرار العالم أجمع.
في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي، يقول بولس إنه في نهاية الأزمنة، يرسل الله إلى الفاسدين “قوّة الضلال حتى يصدّقوا الكذب، فيدين جميع الذين رفضوا أن يؤمنوا بالحق ورغبوا بالباطل” (تسالونيكي الثانية 2، 11-12). دولة إسرائيل هي قوّة الضلال التي تحشد حولها محبّي الخداع.
يريد الله أن يضع حداً لأنشطة الصهاينة الغامضة والشريرة في العالم. هذه الأنشطة تتواصل منذ ما قبل المسيح ويدعوها القديس بولس “سر المعصية الذي يعمل عمله” (تسالونيكي الثانية 2، 7).
تطوَّرَ الصهاينة في نطاق مغلق واختمرت أفكارهم في مناخ تعصب عرقي غير مسبوق. غير أن الأمم المتحدة قد أدانت هذا التعصب وساوت الصهيونية به.
الإسرائيليون، مثل السيدة فيليتسيا لانغر، وهي محامية يهودية معروفة ليس فقط بدفاعها عن القضية الفلسطينية في إسرائيل نفسها وفي المحافل الدولية، بل أيضاً بإدانتها للخداع الصهيوني، هم نادرون. على اليهودي اليوم أن يتمتع بطبع استثنائي للإفلات من الذهنية الصهيونية. فيليتسيا لانغر ويهود نبلاء آخرين عرفوا أن يتكلموا مثل أنبياء التوراة، وخاصة النبي أشعيا الذي أدان الإسرائيليين قائلاً: “ويل للأمة الخاطئة، للشعب المثقل بالإثم، لنسل الأشرار والبنين المفسدين! تركوا الرب…” (إشعيا 1، 4).
نحن الذين نعيش في لبنان، شهود على المجازر الإسرائيلية التي حصلت في قرانا الجنوبية العديدة، بعد الدم الذي أهرقه الإسرائيليون في فلسطين لطرد الفلسطينيين منها.
علينا ألا نتعجب من عنف الإسرائيليين اليوم الذين يريدون أن يقتدوا بأسلافهم من خلال تنفيذ التوجيهات الكتابية الموجودة في كتب العهد القديم، والتي أولجها قلم الكتبة الكذاب الملطخ بالدم، الكتبة الذين حثّوا اليهود في الماضي على قتل سكان المنطقة وتجريدهم من ممتلكاتهم باسم الله، وعلى اعتبار كل غير يهودي عدواً يستوجب الموت.
لهذا السبب طلب يسوع في ذلك الوقت من اليهود أن يحبوا أعداءهم، أي غير اليهود، أي الرومان وغيرهم، الذين كان اليهود يعتبرونهم أعداءهم. هذه الوصية، محبة الأعداء، كانت موجهة فقط لأصحاب الروح العنصرية. لأن الأمر بالنسبة للآخرين غير مطروح. لتجسيد هذه الوصية، شفى يسوع الرومان، الأمر الذي شكل صدمة لليهود. بالمقابل، طلب يسوع من تلاميذه أن يقاوموا أعداء الله، الذين يرفضونه كمسيح. ألا يقول في إنجيل لوقا: “أمّا أعدائي الذين لا يريدون أن أملك عليهم، فجيئوا بهم إلى هنا واذبحوهم أمامي” (لوقا 1، 27)؟ علينا ألا ننسى أيضاً عندما جدل يسوع سوطاً وقام بطرد الباعة المحتالين والمرتزقة من الهيكل، والذين كانوا من اليهود.
كذلك، قاعدة تحويل الخد الأيمن للذي يصفعك على خدّك الأيسر، إنما هي موجهة لليهود الذين كانوا وقتها مجتمعين حول يسوع. إنجيل لوقا ينقل لنا بكل وضوح قول يسوع: “لكني أقول لكم أيها السامعون: أحبوا أعداءكم…” (لوقا 6، 27). لاحظوا أن يسوع قال: “أقول لكم أيها السامعون”، والذين كانوا يسمعونه عندئذٍ كانوا يهوداً صهاينة متعودين على الظلم، وعلى الاستيلاء على أملاك الآخرين، تماماً كما يواصلون فعله اليوم في فلسطين، ويحاولون القيام به في لبنان. هذه القاعدة موجهّة إذاً للإنسان الصهيوني الظالم الذي يصفعه الإنسان التي نُهبت أرضه وممتلكاته ويريد استعادتها. يريد يسوع أن يقول إن هذا الأخير يملك حق الصفع وإن على اليهودي أن يشكره لأنه بذلك يدلّه على الطريق الصحيح. كان المسيح سيقول ليهود اليوم: “أحبوا أعداءكم الفلسطينيين وشيعة لبنان وأديروا لهم خدّكم الأيمن عندما يصفعونكم على خدّكم الأيسر، لأنهم هم الذين على حق وأنتم المغتصبون”.
العهد القديم يزخر بالأمثلة عن تصرفات اليهود الإجرامية. لن أذكر سوى قصة واحدة لأنها المثال بامتياز وموجودة في الفصلين 17 و18 من كتاب القضاة. وإليكم القصة بإيجاز: عندما دخل اليهود إلى فلسطين مع يشوع في القرن الثاني عشر ق.م، تقاسموها فيما بين العشائر. لكن عشيرة دان لم تكن راضية عن نصيبها وأرسلت خمسة من رجالها لاستكشاف المنطقة بحثاً عن مكان للاستقرار. فوصلوا إلى قرية إفرايم، 30 كلم شمال أورشليم، ووجدوا هناك كاهناً لاوياً يخدم الرب. هذا الرب لم يكن سوى تمثالاً مسبوكاً يحمل الأفود والترافيم، وهما حجران مكتوب على أحدهما كلمة “نعم” وعلى الآخر كلمة “لا”، واللذان يقوم الكاهن بواسطتهما باستشارة الرب بصورة عشوائية، نوع من “سحب القشة”. طلب الرجال الخمسة من الكاهن أن يسأل لهم الرب ليعرفوا إن كانوا سيوفقون في مهمتهم. فعل الكاهن ذلك وقال لهم: “سيروا بأمان، فالطريق التي أنتم سالكون فيها يرعاها الرب”. فتابع الرجال الخمسة مسارهم باتجاه الشمال ووصلوا إلى قرية تدعى لايش، على بعد حوالي 30 كم شرق صور. رأوا أهلها يعيشون آمنين هانئين مطمئنين لا شيء يزعجهم في أرضهم، وأرضهم صالحة لا يعوزهم شيء فيها. وكانوا بعيدين عن باقي المدن والقرى.
بعد أن أغراهم المشهد، رجع الرجال الخمسة إلى أخوتهم وقدّموا هذا التقرير: “قوموا لمحاربة أهل لايش لأننا رأينا أرضهم صالحة جداً، فلا تتهاونوا ولا تتكاسلوا عن المسير لتدخلوها وتمتلكوها. فيها تجدون شعباً مطمئناً، وبلاداً واسعة وها الرب سلّمها إلى أيديكم، وهي مكان لا يعوزه شيء في الأرض، فساروا إلى لايش وخطفوا في طريقهم الكاهن اللاوي والصنم المسبوك. ويتواصل سرد القصة كالتالي: “جاء بنو دان إلى لايش، إلى شعب هادئ مطمئن، فضربوهم بحد السيف وأحرقوا المدينة بالنار. ولم يكن لهم منقذ، لأن المدينة بعيدة من صيدون، ولم يكن بينهم وبين أحد علاقة. فأعاد بنو دان بناء المدينة وسكنوها. وسمّوا المدينة دان باسم دان أبيهم” (القضاة 18، 27-29).
رويت لكم هذا القصة لأن مدينة لايش تقع في جنوب لبنان وتوحي بالمجازر التي ترتكب حالياً في لبنان، وبينما أنا أكلمكم اليوم في 21 مارس 1985، على أيدي الإسرائيليين. لاحظوا أن اليهود اليوم قد دخلوا ثانية، مدججين بالسلاح، إلى قرانا الجنوبية حيث دمّروا البيوت، وطردوا السكان، وحرقوا المزارع وقضوا على أشجار الليمون والزيتون الجميلة التي اعتنى بها فلاحونا المسالمون بعرق جبينهم.
ألم يكن المسيح على حق عندما قال لهذا الصنف من اليهود إن إلههم هو الشيطان. فكّروا قليلاً بالهوية الحقيقية للرب الذي استشاره الكاهن اللاوي لكشافي قبيلة دان. لقد حان الوقت للتحلّي ببعض الحكمة. هل تعتقدون أن الله الخالق كل شيء، الإله الصالح رب جميع البشر، هو الذي بارك بني دان وسمح لهم بذبح سكان مدينة لايش الآمنين؟ هل تعتقدون أيضاً أن الله خالق جميع البشر، هو الذي حثّ مناحيم بغين، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، على ذبح سكان قرية دير ياسين الآمنين وطرد الفلسطينيين من فلسطين، لإقامة الدولة العبرية؟ على كل إنسان أن يحكّم ضميره. لكن علينا أن ننتبه من إجابتنا لأن الله سيحاسبنا.
الجرائم العديدة التي اقترفها الإسرائيليون في الماضي لإقامة الدولة اليهودية، دفعت الأنبياء على التمرد عليهم وإدانتهم. لكن عوضاً من أن يتوبوا، قتل الإسرائيليون الأنبياء الذين كانوا يزعجونهم. لقد سمعت بنفسي على إذاعة إسرائيل منذ بضع سنوات، تعليقاً دينياً باللغة الفرنسية حيث قيل خلاله: “لو ظهر اليوم في إسرائيل نبياً وكلّمنا كما كلّم الأنبياء في الماضي آباءنا، لقتلناه”. القتل… القتل…القتل… أيضاً وأيضاً! هذا هو البديل الصهيوني الوحيد على التوبة، وجواب الصهاينة الوحيد لله وأنبيائه.
لقد حان الوقت لـ “هلاك الذين كانوا يهلكون الأرض” وفقاً لكتاب الرؤيا الفصل 11، 18. لقد سمح الله إذاً للصهيونية بالتجسد بدولة إسرائيل، بالخروج من مخبأها ليقوم بالقضاء عليها.
السؤال الثاني: هل يتكلّم الكتاب المقدس عن عودة ظهور إسرائيل؟
نعم، الكتاب المقدس يتكلم عن عودة إسرائيل، لكن ليس كما يفهمه الإسرائيليون الذي يطبّقون النبوءات الكتابية التي تتناول عودة اليهود من بابل في القرن السادس ق.م على دولة إسرائيل اليوم. هذه النبوءات قد تحققت في الماضي و، على أي حال، لم تكن تتكلم عن خلق دولة سياسية عبرية، بل عن عودة الطائفة اليهودية من السبي في بابل على يد نبوخذنصّر إلى فلسطين.
غير أن الفصلين 38 و39 من كتاب حزقيال يتكلمان عن اجتياح جوج وماجوج، رمز قوى الشر، لفلسطين، في نهاية الأزمنة. نتعرف على هوية جوج وماجوج في الفصل 20، 7-9 من كتاب الرؤيا الذي يقول إن جوج وماجوج يتدفقون من زوايا الأرض الأربعة للحرب في فلسطين. يستوطنون على كامل أرض فلسطين ويحتلون المدينة المقدسة أورشليم، التي سيحتلونها لفترة من الزمن، لكن في النهاية تنزل نار من السماء وتقضي عليهم إلى الأبد ولن يعودو للظهور مجدداً. جوج وماجوج، رمز الوثنية ورفض مخطط الله، يمثلون هنا الإسرائيليين الذين، بسبب رفضهم ليسوع، هم الورثة العصريون للوثنية. إنهم يأتون بالفعل، كما يكشف كتاب الرؤيا، من زوايا الأرض الأربع، ليستوطنوا بالحرب، في فلسطين، معلنين أورشليم-القدس، المدينة المقدسة، المدينة المحبوبة، عاصمة لدولتهم العبرية.
يتكلم كتاب الرؤيا أيضاً عن ظهور وحش، في نهاية الأزمنة. هذا الوحش كان موجوداً في الماضي، لكنه اختفى، كما يقول كتاب الرؤيا. سيعود للظهور ويتم القضاء عليه بشكل نهائي بعيد عودته، دون أن يوجد من جديد.
ينطبق ذلك على إسرائيل التي كانت موجودة في الماضي، وقضى عليها تيطس سنة 70م. ها هي تعود من جديد، لكن هذه المرة لتزول إلى الأبد. هذه النبوءة تنطبق على إسرائيل، خصوصاً أن كتاب الرؤيا يعلن عن ظهور وحش ثانٍ يدعم الأول ويفرضه على العالم بقوة السلاح والمال (مراجعة الفصلين 13 و17 من كتاب الرؤيا). بما أن الوحش الأول هو إسرائيل، يصبح من السهل علينا أن نفهم أن الوحش الثاني، الذي يدعمه، هو الولايات المتحدة الأميريكية. يعلن كتاب الرؤيا عن هزيمة الوحشين وانتصار يسوع المسيح من خلال هذه الهزيمة.
نقول إذاً إن الكتاب المقدس قد أعلن عن عودة ظهور إسرائيل بكلامه عن جوج وماجوج في كتاب النبي حزقيال، لأنه كان يقصد الإسرائيليين الذين أصبحوا وثنيين من خلال رفضهم ليسوع.
لا يمكنني أن أنهي هذه المحاضرة دون أن أذكر بعض نبوءات الكتاب المقدّس عن لبنان التي تجري أحداثها اليوم تحت أعيننا.
أبدأ بالإشارة إلى أن النبي حبقوق قد تنبأ ضد الذي يجتاح لبنان، مغرقاً إياه بالدم. فيقول: “جورك على لبنان يغمرك، بل حتى هلاك بهائمه يرعبك. أما سفكت دماء البشر وظلمت أهل الأرض ومدنها جميعاً” (حبقوق 2، 17).
اليوم، تهرب إسرائيل من لبنان بعد أن اجتاحته واغتصبت أرضه وذبحت أهله. لكن الدماء التي أهرقت في لبنان على أيدي الإسرائيليين تغرق الآن إسرائيل التي تحتضر. الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت ستقضي عليه. لكن لبنان سيتعافى بإذن الله. بينما إسرائيل، بالمقابل، لن تتعافى أبداً وستذهب إلى هلاكها الأبدي.
لقد أعلن الكتاب المقدس عن هذه الأحداث الرؤيوية التي تجري اليوم في لبنان. كتاب نشيد الأنشاد ينقل إلينا في الفصل 4، حواراً شعرياً بين الله ومختاريه، حيث العريس يمثّل الله، والعروس تمثّل المختارين. العريس ينادي عروسه للمجيء إليه، لا من إسرائيل، بل من لبنان. أورد بعض المقاطع مع التعليقات.
يقول العريس:
جميلة كلّك يا رفيقتي، وما فيكي عيب.
(لأنها تطهّرت بالتجربة)تعالي معي من لبنان يا عروس، معي من لبنان.
شفتاك أيتها العروس تقطران شهداً.
(لأنها تكلّمت كلام الله. قالت الكلمة النبوية: “لا” لإسرائيل).ومثل عبير لبنان عبير ثيابك. عروستي يا لها من جنّة مقفلة! جنّة مقفلة هي وينبوع مختوم. معين جنّات وبئر مياه حيّة نازلة من لبنان.
(الينبوع المختوم يذكّرنا بكتاب الرؤيا، هذه الكتاب المختوم بسبعة ختوم كما يقول كتاب الرؤيا في الفصل 5، لكن يسوع فتحه في لبنان ليكشف أن إسرائيل هي المسيح الدجال. فيصبح هذا الكتاب معين الجنّات، أي الذي ينير المختارين؛ بئر مياه حيّة نازلة من لبنان، هذه البئر هو نهر الحياة الذي يتكلم عنه كتاب الؤيا في الفصل 22).أفيقي يا ريح الشمال، وتعالي يا ريح الجنوب! هبّي على جنّتي فتفيض طيوبها”.
الرياح المجنونة والعواصف العنيفة قد هبّت على لبنان من الشمال إلى الجنوب لتفيض طيوب مقاومته ضد إسرائيل على العالم أجمع. فلنكرّم إخوتنا الشيعة، أبناء فاطمة الشرفاء. لقد استحقّوا من خلال كفاحهم ضد المسيح الدجال ظهور مريم العذراء أم المسيح في فاطمة في البرتغال منذ 1917، لتلفت أنظار العالم إلى أبنائها، المقاتلون الشيعة البواسل، المقاتلون الشيعة أبناء فاطمة، المقاتلون الشيعة من جنوب لبنان الذين استطاعوا بيقظتهم طرد الجنود الصهاينة.
بمقاومتهم الشرسة للإسرائيليين، بدمائهم التي سكبوها بغزارة، بسخاء، دون حساب، سمح أبناء فاطمة لرسل آخر الأزمنة بمتابعة رسالتهم، لكي تنتشر في العالم، من جديد، طيوب منعشة، كعطر يمنح معرفة يسوع المسيح، هذه المعرفة التي استطاع منكري يسوع حجبها وتشويهها، لوقت قليل. هؤلاء الصهاينة الوثنيون يحتلّون اليوم فلسطين وقد طُردوا شر طرد تحت أعيننا من جنوب لبناننا.
دور لبنان الروحي، شهادته ضد المسيح الدجال، تنبّأ بهما إشعيا في الفصل 29، 17-18 حيث يقول: “أبلحظة يتحوّل لبنان جنائن، والجنائن تُعدّ غابا. وفي ذلك اليوم يسمع الصم أقوال الكتاب، وتبصر عيون العمي بعد انغلاق على السواد والظلام”. هذا الكتاب هو كتاب الرؤيا الذي يكشف هوية المسيح الدجال، إسرائيل، وحش الرؤيا، حتى أن الذين يصمّون آذانهم عن هذه الرسالة، سيسمعون.
أختم النبوءات الكتابية عن لبنان مع حزقيال وكلامه النبوي الذي يعلن بشارة انتصار الأرز، رمز لبنان، الذي سيزرعه الله على جبل إسرائيل. تصوّروا أنه العلم اللبناني الذي تتوسطه الأرزة هو المزروع على أعالي قمم الجبال الإسرائيلية. فيقول حزقيال في الفصل 17، 22-24:
“وقال السيد الرب: “سآخذ من أعالي الأرز، من رأس جذوعه غصناً وأغرسه على جبل شامخ شاهق. في جبل إسرائيل العالي أغرسه، فيطلع أغصاناً ويثمر ويصير أرزاً رائعاً، فيأوي تحته كل طائر. كل حيوان مجنح يأوي في ظل أغصانه. فتعلم جميع أشجار البريّة أنّي أنا الرب أذللت الشجر العالي (إسرائيل) ورفعت الشجر الوضيع (لبنان)، أيبست الشجرة اليانعة (إسرائيل) وأينعت الشجرة اليابسة (لبنان). أنا الرب قلت وفعلت”.
أردنا أن نسمع ماذا يقول الكتاب عن إسرائيل. فنقلت أيضاً ما يقوله الكتاب عن لبنان. على الإسرائيليين وأصدقائهم الذين يزعمون الإيمان بالكتاب المقدس، أن يتحلّوا بالحكمة وأن يسمعوا ما يقوله الله في الكتاب عن لبنان، ما يقوله الروح للكنائس، كما يقول كتاب الرؤيا. لأن الوقت قد حان لفتح الكتب ولأن يحاسب البشر بحسب محتوى هذه الكتب. فليسمع الجميع إذاً، حتى الصم!
الخاتمة
في نهاية هذه المحاضرة، ماذا عسانا أن نستنتج؟ ما هو الموقف الذي على الإنسان الذي يؤمن بالكتاب أن يتحلّى به تجاه إسرائيل؟ نؤكّد أن الالتزام المنطقي لكل مؤمن حقيقي مستوحى من رفض إسرائيل، من عبارة “لا لإسرائيل”.
لقد رأينا أن الكتاب المقدس في العهد القديم، يدين إسرائيل. العهد الجديد، بدوره، يدعو تلامذة المسيح الحقيقيين، الذين عندهم شهادة يسوع، إلى أن يقوموا ضد هؤلاء المنكرين.
بينما نرى بعض المسيحيين المزعومين، يأنّبون الذين يحملون السلاح ليدافعوا عن أنفسهم ضد عنف إسرائيل، لسبب بسيط وهو حمل السلاح. ينسى، هؤلاء المسيحيون المزيفون، الحروب الصليبية وكل الحروب التي شنّها العالم الغربي، هذا العالم الذي يتسلّح اليوم على مستوى عال جداً. و، للمفارقة، المسيحيون الذين يتدججون بالسلاح، لا يتوانون عن إدانة الذين يتسلحون للدفاع عن أنفسهم ضد المحتل والمغتصب الإسرائيلي.
في النهاية أودّ أن أذكّركم بما قاله النبي محمد، لكي يصبح الالتزام ضد المسيح الدجال مستوحى من المصادر اليهودية، المسيحية والإسلامية. قال إنه عند ظهور المسيح الدجال، سيقوم يسوع مع أصحابه، مختاريه، لمحاربته والانتصار عليه.
والذين يحاربون المسيح الدجال اليوم هم أبناء الطائفة الشيعية، أبناء فاطمة الشرفاء وأبناء ابنيها، الحسن والحسين. كل الذين يتمتعون بالحكمة الإلهية للتعرف على المسيح الدجال، إسرائيل، ومحاربته، هم أبناء الحسن والحسين. وبما أن يسوع، في نهاية هذه الأزمنة، سيقوم لمحاربة إسرائيل، نكون كلنا يسوع الناصري، ونحارب حربه، حرب العدالة ضد العدو الذي ينكره.
طوبى للذين يلبّون النداء الإلهي بانضمامهم لـ “عرس الحمل”، لهذه الوليمة الإلهية الذي يدعونا الله خلالها، وفقاً لتعبير الفصل 19، 17-18 من كتاب الرؤيا، لأكل لحوم القادة الصهاينة وأنصارهم.